إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
90739 مشاهدة
كلام الله تعالى لا يمكن أن يحصى

ثم إن الله -تعالى- قد أخبر بأن كلامه لا يحصى، ولهذا قال الناظم:
جل كلامــه عـن الإحـصـــاء
والحصر والنفـــاد والفنــــاء
لو صـار أقلامـا جـميع الشــجر
والبحر تلقـى فيـه سـبعة أبحــر
والخلـــق تكتبــه بكـــل آن
فنت وليس القـول منــه بـفــان
يعني: أن كلام الله -تعالى- لا يمكن أن يحصى، ولا يمكن أن يحاط به كله؛ فإن كلام الله ليس له بداية ولا نهاية، جل كلامه عن أن يحصيه الخلق، أو عن أن يحصروه، أو عن أن ينفد أو يفنى. فليس له منتهى، لو صارت الشجر كلها أقلاما، والبحر من بعده سبعة أبحر، والخلق تكتبه بكل آنِ؛ فنيت الأقلام وفني البحر، ولا يفنى القول من الله ولا يفنى كلامه، دل على ذلك آيتان من القرآن آية في آخر سورة الكهف: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا البحار بحار الدنيا التي تشاهدون، والتي قد تغطي أكثر من ثلاثة أرباع الأرض أو نحوها؛ لو كانت مدادا يعني: حبرا، وأضيف معها سبعة أمثالها، فكتب بها كلها؛ نفدت هذه البحار، ولا ينفد كلام الله، لو كُتب بها كلام الله، والآية الثانية في سورة لقمان: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ يمده؛ يجعله مدادا: مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر يعني: مثله سبع مرات: مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أي: لو كان جميع شجر الدنيا من أولها إلى آخرها أقلاما، ولو كانت بحار الدنيا ومثلها معها سبع مرات لو كانت مدادا، يعني: حبرا، فكتب بتلك الأقلام، وكتب بذلك المداد لتكسرت الأقلام وفنيت، ولفنيت البحار، وكلام الله -تعالى- ليس بفان، وكيف يفنى وليس له بداية ولا نهاية، والخلق لهم بداية ونهاية؟!